آخر الأخبار
القرآن و عوائق الجهاد

القرآن و عوائق الجهاد

 

الجهاد في سبيل الله عز وجل من المواضيع البارزة في القران الكريم وقد تناولتها من جهات عدة منها حديثه عن العوائق التي تواجه المسلمين فتمنعهم من الخروج في سبيل الله وما هو الموقف منها، ومنها تناول القران ذلك في ايتين في أحدهما ذكر عائق الحب وفي الأخرى ذكر عائق الخوف واللايتان هما:

الآية الأولى: قوله تعالى {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حتى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة:24

مما يقع الانسان بحبه هو اهله من اخوانه وابويه وأولاده وعشيرته ومسكنه وتجارته وهذا الحب امر نظري ولا مانع منه وانما الكلام فيما إذا تزاحم وتدافع هذا الحب مع حب الله ورسوله وجهاد ٍ في سبيل الله وما يجب فعله على المسلم في مثل ذلك هو تقديم جانب حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فأن حب الله وحب الاهل كلاهما حب فطري لكن حب الله هو حب مبدئي وحب الاهل حب مادي بل ان الاستجابة لحب الله المبدئي يكون له انعكاس على الاهل والأولاد والعشيرة كما لو كان الجهاد بوضع لو ترك لاعتدى العدو على أهلنا واولادنا واموالنا وتجارتنا فان الانتفاض في سبيل الله سينعكس بوضوح على حفظ الاهل والأموال ولا شك ان حب الاهل الفطري يقتضي حفظهم وبالتالي فهو يقتضي الخروج في سبيل الله، لكن لو حصل العكس وقدم المسلم حبه لأهله وامواله وتجارته على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فان الآية الكريمة رتبت ذلك على امرين هما:

الأولى: التوعد الإلهي بقوله عز وجل {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، وهو توعد مخيف لأنه توعد مفتوح ولم يحدده الباري عز وجل وهو اشبه بـ (قول من يكلم صاحبه الذي دونه وتحت امره فيقول له إذا لم تفعل ما امرتك فسأقوم بما ينبغي). تفسير الأفل: 5/570

الثاني: ان من يقدم حبه المادي لأهله وامواله على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله يكون بذلك من الفاسقين الذين عصوا الله وان ايمانه الواقعي لم يكتمل فقد روي عن الامام الحسين (عليه السلام)، قولهإِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ‏ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ“. تحف العقول: 345

وان الامر بالجهاد من أبرز أنواع البلاء التي يختبر بها ايمان الناس وينكشف به ايمانه الحقيقي.

الآية الثانية: قوله تعالى { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)  وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)  يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ .(171) ال عمران 168 -171

الخوف من الموت امر فطري يعيشه بنو البشر وهذا الخوف قد يستغله الشيطان بل وبعض بني البشر من اجل منع إخوانهم من الخروج للجهاد في سبيل الله حتى انه لو لم يَطعهم بعض المؤمنين ويذهبوا للجهاد فيستشهدوا يصبح أولئك يلومون عليهم بأنهم لو اطاعوهم حينما منعوهم من الذهاب الى الجهاد لما قتلوا ولكانوا الان معهم من الاحياء.

والآية الكريمة تبني زيف هذا التفكير وانه ليس الا وهم ونفث شيطان من خلال بيان انه لو كان ما يقولونه حق فليدفعوا عن أنفسهم الموت كما ان من استشهد في سبيل الله ليس ميتا كما يتصوره هؤلاء وانما هم احياء عند ربهم بما تعنيه كلمة الحياة من معنى حتى انهم يرزقون وفرحين بما وجدوا بفضل الله لهم ويتداولون الحديث بينهم بالبشرى لمن سيلحقهم في طريق الجهاد والاستشهاد في سبيل الله بما سيلقونه من الفضل والنعمة الإلهية التي اعدت لهم.

ثم ان القران الكريم بين بوضوح ان الموت حتمٌ لابد منه (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) العنكبوت: 57

وان وقت الموت إذا حل لا يمكن ان يتأخر (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المنافقون: 11

وان الموت يصل الى الانسان أينما كان (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ) النساء :78

وان الموت لا يمكن الفرار منه (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) الأحزاب:160 بل من يفر منه فانه سيلاقيه حتما (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجمعة: 8

وهذه الحقائق القرآنية والفطرية ينبغي ان تجعل الانسان على ايمان تام بأن خروجه للجهاد لا يقدم من موته ولا يأخر شيئا وان جلوسه في البيت لا يجعله في مأمن من الموت وروي ان معاوية سال الامام الحسين عليه السلام فقال (ما حمل اباك على ان قتل اهل البصرة ثم داره عشيا في طوقهم في ثوبين؟ فقال عليه السلام حمله على ذلك علمه انما أصابه لم يكن ليخطئه وانما اخطئه لم يكن ليصيبه قال صدقت) التوحيد: للصدوق:374 -375/ج19

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *